توم وولف: كل رواية كبيرة تبدأ بالصحافة

12-04-2013

توم وولف: كل رواية كبيرة تبدأ بالصحافة

على الرغم من أنه لم يصدر خلال خمسين سنة من الكتابة إلا أربع روايات (بعيداً عن كتب التحقيقات والسير التي أصدرها) إلا أن اسم توم وولف يشكل نقطة مركزية في الكتابة الروائية الأميركية، إذ يعرف شهرة واسعة ومكانة نقدية لا يستطيع النقاد عدم الالتفات إليه. مؤخراً عاد مع روايته الرابعة «ميامي الدامية» التي تتحدّث عن المهاجرين الذين يقطنون تلك المدينة الأميركية.
بنى وولف اسمه الكتابي انطلاقاً من الصحافة، فهو من أطلق مصطلح «الصحافة الجديدة» الذي غزا العالم، وذلك عبر مقالاته التي كانت تجد أصداء واسعة. اليوم وهو في الثانية والثمانين من عمره، لا يزال يمتلك القدرة على التحريض وعلى بث الأفكار التي لا «تناسب» مواطنيه، ومع ذلك يستمر في النقاش.
مجلة «لوفيغارو ماغازين» أجرت حواراً مع الكاتب بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية، هنا تعريب لها.
÷ لِمَ اخترت ميامي كإطار لروايتك هذه؟
} تشكل الهجرة موضوعاً يهمّني. سبق أن صدرت كتب عدة حول الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وبشكل عام، كان كتّابها يتحدثون فيها دائماً عن (أن المدينة تشكل) ممر عبور. لم يسأل أحد يوما ما الذي يحصل فيما لو أن العابرين بقوا في أمكنتهم. من هنا تبدو ميامي المدينة المثالية لأنها كانت دائماً مسكونة بهجرة متجددة. لم يكن هذا المكان موجودا قبل مئة عام. لم يكن هناك مرة سكان «قديمون» في ميامي. أعتقد أنها المدينة الوحيدة في العالم التي يحكمها ويديرها أشخاص يأتون من بلاد أخرى ولا حتى أنهم يتحدثون لغتها.
÷ حين نقرأ روايتك، يبدو لنا أن ليس هناك أبداً أي تعايش بين مختلف الطوائف والجماعات الكوبية والنيكاراغوية والسود الخ..
} في عصر آخر، كان الايرلنديون يعاملون كما لو كانوا لا شيء. بيد أن اندماجهم نجح في النهاية، ببساطة لأنهم بيض. الأمر عينه مع الإيطاليين. يعتقد أبناء جيلي بأنه كان هناك أربعة أنواع من الناس: السود والبيض والصفر والبنيون، وهؤلاء الآخرون يمثلون كل الذين لا ينتمون إلى الفئات الثــلاث الأولى. ومذاك تمّ إبداع كلمات جديدة كي لا يتم الحديث عن لون البشرة، أي عن هذا التابــو المطــلق: «لاتيـــنو»، «أنغلو»، أفرو أميركي»... كل هــذه الفئات اجتمعت في ميامي، من هنا يشــكل النوع القوقازي أقلية منذ الأزل، أكان أبيض أم من «الوسب». بيد أن الثقافات لا تختلط ببعضها أبداً.
÷ هناك، في كتابك هذا، صفحات فكاهية عدة حول الفن المعاصر، الذي سبق أن كتبت عنه كتب ومقالات عدة. ما رأيك بأشخاص مثل جيف كونز أو داميان هيرست؟
} يمثلان جيداً ما أسميه «الفن بدون أيدي»، وأقصد بذلك أن هيرست أو كونز لم يلمسا أبداً «أعمالهما». لقد اهتم بذلك أناس آخرون، لأنهما فوق مستــوى ذلك (يضحك). لكونز أرنبه العملاق الذي تم صنعه انطــلاقاً من القاذورات، وصدّقني لن يضع يديه فــي هذا الوســخ! أما داميان هيرست فقــد بــاع قرشه النافق إلى جامع تحف، ومن البديهــي أن ينتن. لذلك سيعطيه واحداً آخر.

همهمات

÷ برأيك، لماذا يؤجر النقاد عملهم بينما هناك أشخاص يصرفون الثروات كي يقتنوا هذه الأعمال؟
} بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك بعض النقاد (ليسوا على قدر كبير من الذكاء) كما بعض جامعي الأعمال الفنية الذين قالوا إن لم نفهم أبداً عملاً فنياً، فهذا معناه أنه مهم. وقد صدق ذلك عديدون من ذوي الأرواح البسيطة (يضحك). رأينا الأمر عينه في الأدب الفرنسي بعد مالارميه. فجأة تحول إميل زولا وموباسان إلى «مسعّرين». وبما أن الأدب الفرنسي كان يشع دائماً، حتى في الولايات المتحدة، فقد توسّعت هذه الحركة. توجب بدءاً من تلك اللحظة كتابة روايات معقدة غير مفهومة، لأن بساطة تولستوي، الذي احترمه، أصبحت أمراً «عفا عليه الزمن». أعتقد أن الناس، وهذا ما يثير الاستغراب، يثمنون واقع أن لا يفهموا شيئاً مما يقرأونه أو مما يشاهدونه في المتاحف. شاهدت في «آرت باسل» في ميامي، رجالاً مسنين يرتدون الأحذية الرياضية وسراويل الجينز وهم يتدافعون حول أعمال فنية «فقيرة» كي يتأكدوا بأنهـــم هم أول من سيشتريهـــا. باختـــصار، الجمـــهور يبــــدو أسخــف مــن الأعمـــال الفنــــــية.
÷ هل تعتقد أن هذا الشكل من الانحطاط ينطبق على الأدب والسينما والموسيقى؟
} هنـــاك اختـــلاف جوهـــري: هدف العمـــل الفني المعاصـــر أن يتم شراؤه من قبل جـــامع أعمال غني. أما الأســطوانات والكتـــب والأفـــلام فعليها أن تلامس أكبر عدد. وهذا ما لا يفضي بالطبع إلى نتائج حاسمة، مثلما نعـــرف بشـــكل خاص في الأدب بالولايات المتحـــدة الأميركـــية، عبر هذا الهذيان الـــذي يدور حـــول محـــترفات الكــتابة وحول «الإبــداع الأدبي». هل تظـــن جديــاً أنه يمكن لنا أن نشرح كيف تكتب الرواية؟
÷ بهـــذا الخصـــوص، غالـــباً ما تقول إنك فــي رواياتك تبدو صحافـــياً أكثر منــــك روائـــياً. في فرنــسا درجت العـــادة أن يكـــتب الصحافيــــون أســـــوأ الروايات...
} الأمر عينه في الولايات المتحدة. بيد أني أعتقد أن زولا كان صحافياً وجاك لندن بالطبع، وشتاينبك، مثلما نعرف، قام بإجراء تحقيق كي يستطيع أن يكتب «عناقيد الغضب»، رائعته الكبيرة. بالنسبة إليّ، كل رواية كبيرة تبدأ بالصحافة: علينا أن نستعلم، أن نلتقي بالذين لا نعرفهم، الخ...
÷ حين صرّحت بأنك انتخبت جورج دبليو بوش، كانت ردات الفعل عدائية تجاهك. كيف عشت هذا الأمر؟
} أمر لا يصدق: كانت هناك صحافية جاءت للقائي، وقالت لي إن بوش قرأ جميع كتبي. سألتني عن السبب. أجبتها: من دون شك لأنها كتب جيدة. ومن ثم أصرت على معرفة لمن أدليت بصوتي، فقلت بهدوء، له مثلي مثل 62 مليون أميركي. كنّا مجتمعين بمكان أشبه بمؤتمر، وكان هناك صحافيون عديدون حاضرين. بدأت الهمهـــمات بالتصـــاعد، فقلت لهم قبل أن أرحل «بالمناسبة أنا أيضاً منحرف جنسياً» (يضحك).

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...