سارين من؟ (3 من 4)

14-12-2013

سارين من؟ (3 من 4)

 الجمل ـ سيمور هيرش ـ ترجمة محمد صالح الفتيح:
ترافق تحريف البيت الأبيض لما كان يعرفه عن الهجوم وتوقيته مع استعداده لتجاهل المعلومات الاستخبارية التي كان يمكن أن تقوض روايته. تلك المعلومات كانت تتعلق بـ"النصرة"، وهي جماعة متمردة إسلامية مصنفة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة كمنظمة إرهابية. من المعروف أن "النصرة" قد ارتكبت العشرات من التفجيرات ضد المسيحيين والطوائف المسلمة غير السنية داخل سورية وبأنها قد هاجمت حليفها الصوريّ في الحرب الأهلية، الجيش السوري الحر العلماني. هدف "النصرة" المعلن هو قلب نظام الأسد وبناء نظام حخبراء الاسلحة الكيميائية يجمعون العينات من الهجوم على زملكا في ريف دمشق في 29 اب الماضي (رويترز)كم بالشريعة الإسلامية. (في 25 أيلول (سبتمبر) انضمت "النصرة" إلى عدة مجموعات إسلامية متمردة أخرى في رفضها للجيش السوري الحر وفصيل علماني آخر، هو المجلس الوطني السوري). 
نتجت فورة الاهتمام الأمريكي بـ "النصرة" والسارين عن سلسلة من الهجمات الصغيرة بالأسلحة الكيميائية في آذار (مارس) و نيسان (أبريل)؛ في ذلك الوقت اتهمت الحكومة السورية والمتمردون بعضهم البعض بالمسؤولية. خلصت الأمم المتحدة أن أربع هجمات كيميائية قد حدثت، ولكنها لم تحدد الطرف المسؤول. أخبر مسؤول في البيت الأبيض الصحافة في أخر شهر نيسان (أبريل) أن منظومة الاستخبارات قد قدرت "وبدرجات متفاوتة من الثقة" أن الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجمات. تجاوز الأسد "خط أوباما الأحمر". احتل تقييم شهر نيسان (أبريل) العناوين الرئيسية ولكن بعض التحذيرات المهمة قد ضاعت خلال الترجمة. اعترف المسؤول الذي قدم التصريح، والذي لم يصرح عن اسمه، بأن تقييمات منظومة الاستخبارات "ليست كافية لوحدها". فقال "نحن نريد أن نحقق بدرجة أكبر وأبعد من هذه التقييمات الاستخبارية لكي نجمع الحقائق بحيث يمكننا بناء مجموعة من المعلومات متحقق منها وذات مصداقية يمكن لها أن تنير آلية اتخاذ القرار لدينا". بتعبير آخر، لم يكن لدى البيت الأبيض أي دليل مباشر على تورط الجيش السوري أو الحكومة السورية، وهي الحقيقة التي ذكرت لماماً فقط في التغطية الصحفية. أثر خطاب أوباما القومي بشكل جيد على الجمهور والكونغرس والذين نظروا إلى الأسد كمجرم قاسٍ.
أعلن بيان البيت الأبيض، بعد شهرين، عن تغيير في تقييم المسؤولية السورية وأعلن أن منظومة الاستخبارات لديها الآن "ثقة كبيرة" أن حكومة الأسد مسؤولة عن ما يصل إلى 150 وفاة من هجمات السارين. خرجت العديد من العناوين الرئيسية وأخُبرت الصحافة أن أوباما، واستجابةً للمعلومات الاستخبارية الجديدة، قد أمر بزيادة المساعدات غير الفتاكة للمعارضة السورية. ولكن مرة أخرى كان هناك تحذيرات مهمة. تضمنت المعلومات الاستخبارية الجديدة تقريراً مفاده أن المسؤولين السوريين قد خططوا ونفذوا الهجمات. لم يتم تقديم أي معلومات محددة ولم يتم تحديد أولئك الذين قدموا التقارير. قال بيان البيت الأبيض أن التحليل المخبري يثبت استخدام السارين ولكنه يقول أيضاً أن وجود أثر لغاز الأعصاب "لايخبرنا كيف أو أين تعرض الأفراد للغاز أو من كان مسؤول عن نشره". يضيف البيت الأبيض "ليس لدينا تقرير مثبت وموثوق يشير إلى أن المعارضة في سورية قد حصلت على أو استخدمت الأسلحة الكيميائية". تناقض هذه العبارة الأدلة التي كانت تتدفق في ذلك الوقت إلى وكالات الاستخبارات الأمريكية.
أخبرني مستشار كبير في الاستخبارات أنه بحلول أواخر شهر آيار (مايو) أن وكالة المخابرات المركزية "السي آي أيه" قد قدمت تقريراً لإدارة أوباما حول "النصرة" وعملها على السارين وأنها [السي آي أيه] قد أطلقت تقاريراً تحذر من أن هناك منظمة أصولية سنية أخرى ناشطة في سورية، وهي القاعدة في العراق، قد استوعبت أيضاً علم إنتاج السارين. في ذلك الوقت كانت "النصرة" نشطة في مناطق قريبة من دمشق، بما في ذلك الغوطة الشرقية. هناك وثيقة للاستخبارات صدرت في منتصف الصيف تطرقت بشكل مكثف لـ "زياد طارق أحمد"، وهو خبير أسلحة كيميائية عمل سابقاً في الجيش العراقي، ويقال أنه قد انتقل إلى سورية وأنه كان ينشط في الغوطة الشرقية. أخبرني المستشار أن "طارق" قد تم التعرف عليه على أنه "رجل من "النصرة" لديه سجل طويل في صناعة غاز الخردل(1) في العراق وأنه شخص متورط في صناعة واستخدام السارين". وهو مصنف من قبل الجيش الأمريكي على أنه هدف عالي الأهمية.
في 20 حزيران (يونيو) أُرسل إلى "ديفيد أر. شيد"، نائب مدير "وكالة مخابرات الجيش"، وثيقة عالية السرية من أربع صفحات تلخص ماعرف حول قدرات "النصرة" بخصوص عاز الأعصاب. يقول المستشار "ما تم إخباره لشيد كان مستفيضاً وشاملاً". "لم يكن مجرد حفنة من «أقوال نحن نعتقد»". قال لي المستشار أن الرسالة لم تقدم تقيماً بخصوص إذا ماكان المتمردون أو الجيش السوري هم من بدأ الهجمات في آذار (مارس) و نيسان (أبريل)، ولكنها أكدت التقارير السابقة أن "النصرة" لديها القدرة على حيازة واستخدام السارين. تم أيضاً استخراج عينة من السارين الذي استخدم – بمساعدة عميل إسرائيلي – ولكن، بحسب ما يقوله المستشار، لم يتم ذكر أي شيء حول العينة في الرسالة [التي أرسلت إلى ديفيد شيد].
بعيداً عن هذه التقيمات، وبسبب اعتقادها أن القوات الأمريكية قد يطلب منها التوجه إلى سورية للسيطرة على مخزون الحكومة من العوامل الكيميائية، طلبت قيادة الأركان المشتركة الأمريكية من جميع المصادر تحليلاً شاملاً للأخطار المحتملة. يشرح المسؤول الكبير السابق في الاستخبارات "وفر أمر العمليات قاعدة لتنفيذ العملية العسكرية، إذا ما أُمر بها". "تشمل هذه العملية الحاجة المحتملة لإرسال جنود أمريكيين إلى موقع كيميائي سوري للدفاع عنه ضد محاولة المتمردين السيطرة عليه". كان الافتراض أن المتمردين المجاهدين إذا كانوا سيهاجمون الموقع فإن الأسد لن يقاتلنا لأننا كنا نحمي الموقع الكيميائي ضد المتمردين. احتوت جميع أوامر العمليات شقاً للتهديدات الاستخبارية. كان لدينا محللون تقنيون من وكالة المخابرات المركزية، وكالة مخابرات الجيش، خبراء الأسلحة، وخبراء "المؤشرات والتحذيرات" (2) يعملون على هذه المشكلة.... وتوصلوا إلى أن قوات المتمردين كانت قادرة على مهاجمة القوة الأمريكية بالسارين لأنهم كانوا قادرين على إنتاج الغاز القاتل. اعتمدت الدراسة على المؤشرات وعلى عنصر الاستخبارات البشري (3)، وأيضاً على القدرات التقنية والنوايا المصرح للمتمردين".
هناك دليل أن بعض أعضاء هيئة الأركان المشتركة الأمريكية خلال الصيف كانوا قلقين من احتمال الاجتياح البري لسورية وأيضاً من نية أوباما أن يمنح المتمردين دعماً غير فتاك. قدم الجنرال "مارتن ديمبسي"، رئيس الأركان المشتركة، تقييماً سوداوياً عندما أخبر لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، في شهادة علنية، أن السيطرة على مواقع الأسلحة الكيميائية السورية المنتشرة على نطاق واسع تحتاج إلى "الألاف من قوات المهام الخاصة والقوات البرية الأخرى" إضافة إلى "المئات من الطائرات والسفن والغواصات ووسائل دعم القوة الأخرى". وضعت تقديرات البنتاغون عدد القوات عند سبعين ألفاً، وهذا يعود لأن القوات الأمريكية ستحتاج إلى أن تحرس أسطول الصواريخ السورية: لأن حصول المتمردين على كميات هائلة من المواد الكيميائية التي تنتج السارين (4) سيكون ذو فائدة محدودة بدون الحصول على وسائل إطلاقه. حذر "ديمبسي" في رسالة إلى السيناتور "كارل ليفين" (5) من أن قرار الإمساك بالترسانة السورية يمكن أن يكون له عواقب غير مرجوة: "لقد تعلمنا من السنوات العشر الماضية، من ناحية أخرى، أنه من غير الكافي أن نغير بكل بساطة توازن القوى العسكرية بدون أن ندرس بتمعن ما هو ضروري للمحافظة على الدولة الفاعلة... إذا ما انهار النظام في غياب المعارضة القوية، فإننا، وبدون قصد، سنقوي المتطرفين أو نسرب الأسلحة الكيميائية التي نسعى للسيطرة عليها".
رفضت "وكالة المخابرات المركزية" تقديم تعليق لصالح هذه المقالة [مقالة سيمور هيرش هذه]. فيما قال ناطقون باسم "وكالة مخابرات الجيش" و"مكتب الاستخبارات القومية" أنهم لم يكونوا مطلعين على التقرير المقدم إلى "شيد"، وعندما قدمنا لهم الأرقام الدقيقة التعريفية الخاصة بالرسالة، قالوا بأنهم غير قادرين على العثور عليها. قال "شون تيرنر"، مدير العلاقات العامة في "مكتب الاستخبارات القومية"، بأن أياً من وكالات الاستخبارات الأمريكية، بمافي ذلك "وكالة المخابرات المركزية"، "لم تكن تعتقد بأن جبهة النصرة قد نجحت بتطوير قدراتها للوصول إلى تصنيع السارين".
لم يكن مسؤولو العلاقات العامة في الإدارة الأمريكية قلقين حول قدرات النصرة العسكرية كما كان "شيد". فقد قدم سرداً تحذيرياً حول قدرات "النصرة" في منتدى آسبن الأمني السنوي (6) في ولاية كولورادو. "أستطيع إحصاء مالايقل عن 1200 مجموعة متباينة في المعارضة، "جبهة النصرة" هي... الأكثر فعالية وتزداد قوةً". يضيف أن "هذا مصدر قلق كبير لنا. هذه المنظمات الأكثر تطرفاً (يشمل "شيد" بالذكر منظمة القاعدة في العراق)إذا ما تركت بدون مراقبة فإنها قد تمسك بزمام الأمور". يتابع بالقول أن الحرب الأهلية "ستزداد فقط سوءاً مع الوقت... والعنف الذي لايمكن تخيله سيأتي لاحقاً". لم يذكر "شيد" في كلامه الأسلحة الكيميائية ولكنه لم يكن مخولاً بذلك: فالتقارير التي استلمها مكتبه كانت عالية السرية.
---------------------
الهوامش
(1) غاز الخردل هو مادة كيميائية أخرى تستخدم في الحروب ويعود استخدامها إلى الحرب العالمية الأولى وكان العراق قد استخدمها بكثافة أيام الحرب العراقية الإيرانية (المترجم).
(2) "المؤشرات والتخذيرات" (Indications and Warnings) هو نوع من الأنشطة في المخابرات الأمريكية مكرس لمراقبة القوات العسكرية للدول الأخرى بشكل حي للتحذير من أي خطر قد تشكله هذه التحركات على الولايات المتحدة و/أو حلفائها (المترجم).
(3) human intelligence أو الاستخبارات البشرية تشير عادة إلى جمع المعلومات عن طريق عناصر استخبارات موجودين بشكل ميداني وليس فقط عن طريق الأقمار الصناعية ومحطات التنصت (المترجم).
(4) كما ذكرنا سابقاً فالسارين، والكثير من العناصر الكيميائية، إنما يكون موجوداً بشكل مركبات منفصلة يتم مزجها فقط في اللحظات الأخيرة قبل شن الهجوم الكيميائي (المترجم).
(5) السيناتور الديمقراطي "كارل ليفين" هو ممثل ولاية ميشيغان في الكونغرس وهو رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس منذ العام 1970 (المترجم).
(6) منتدى آسبن الأمني السنوي هو منتدى يقيمه برنامج الأمن الوطني في معهد آسبن ويضم متحدثين من المسؤولين الأمنيين السابقين والحاليين ويناقش الأخطار المحدقة بالولايات المتحدة محلياً ودولياً (المترجم).

كل ما هو موضوع بين [] ضمن النص هو إضافة من قبل المترجم للتوضيح عند الالتباس.
رابط المقالة الأصلي:
http://www.lrb.co.uk/2013/12/08/seymour-m-hersh/whose-sarin

 الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...