وطن الأوثان المستنسخة

20-04-2013

وطن الأوثان المستنسخة

لا جديد تحت الشمس بعد مرور نصف قرن أو يزيد على لبنان الوطن، فقديمه المتكرّر حاضر دوماً وأبناؤه الجدد الأفذاذ الذين يحملون شهادات علم عليا يجدون منافذ الحكم ونوافذه وأبوابه موصدة في وجوههم فهو «وطن الأوثان المستنسخة» ووطن الشرانق التي تتحوّل إلى فراش والفراش الذي يعود إلى شرانق آتية من سياسييه الذين يلتهمون أوراقه المالية الخضر منذ فجر استقلاله وحتى اليوم.
وفي متحفه السياسي الذي يشهد على تاريخه، تماثيل برونزية لحكامه وأخرى متحجرة صناعة الزعامات الآتية من الأحياء وهم في زعاماتهم المنتصبة في ساحة معرضه ما زالوا حتى اليوم من خبز الطائفية يرزقون.
عريق إذاً هذا الوطن كعرقِ جبين أبنائه، وليس من دين سياسي جديد فيه فهو ما زال على دين جاهلية آبائه وأجداده، وما فتئ شعبه يعبد أصنام التمر المصنّعة بأيدٍ مختلفة من داخل ومن خارج وحين يريد ساسته التحلية بعد تخمتهم يأكلون تمر هذه الأصنام تاركين النوى لشعبه.
لا جديد في وطن الأوثان القديمة والجديدة المستنسخة منها والمعروضة في متحفه السياسي والممــنوع عــلى أي كـان المساس بها او تغيير وجوهها او الإقدام على تحطيمها. فإلى متى سيبقى لبنان هذا متحفاً مملاً للسياسيين التقليديين المتربعين على كراسيه بعد ان جعلوا من الدين سياسة ومن السياسة ديناً لهم ليبقوا زعماء اللبّنانيين الخاضعة لهم؟ وما زالت مسرحية «الدولــة» مستمــرة على أخشــاب مرسحــه بالممثــلين الذيـن يمثلون فيها على شعبه ولا تغيير في الوجوه أو الأسماء والكراسي والسينوغرافيا، وكأن هذا الوطن مصاب بمرض احتباس التجديد والتجدد الدائم لجسده وروحه دوماً.
لا تلوح نجوم جدد في سماء وطن النجوم، ولو نظرت فضاءه السياسي نهاراً لخُيّل إليك أن نظامه برلماني كالأنظمة الديموقراطية العريقة في العالم، لكن لو نظرت في فضائه ليلاً وأمعنت النظر لوجدت نظامه إقطاعياً حتى العظم وعنصرياً طائفياً حتى أخمص قدميه، وما زال هلال الطائف يهديه سواء السبيل وينير له دربه الشائك حتى إشعار آخر.
لا جديد إذاً في الوطن الأخضر الذي يتصحّر يوماً بعد يوم بعد أن أكلت أسراب الجراد السياسي فيه أخضره ويابسه، وما زالت كساداته تلتهم جمال جباله، واليوم ولما لم يعد فيه ما يؤكل أكلوا بعضهم بعضاً.
لا يفترض أن يفتقر لبنان إلى كفاءات شبابه الذين خرجوا من كبريات الجامعات فيه وفي العالم مع انه في حاجة ماسّة إلى دمهم الجديد ليسري في عروقه لا إلى دماء عفا عليها الزمــن ودمــاء فتن تُسفــك على أرضــه، شبــاب يحــرّرونه من متحفه الصدئ ويحطّمون أقفالــه وأوثانه كــي لا يتحوّل سقفه إلى صفيح تعصف به الريح والأعاصير الدائرة من حوله. وبعد وبأسلوب جبران نكتب: ويل لأمة تحكمها أوثانها المستنسخة وتسجد شعوبها لهذه الأوثان.

عاصم ستيتية

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...