فتوى سعودية بتكفير كاتبين وإهدار دم "من لا يُكفر غير المسلمين"

22-03-2008

فتوى سعودية بتكفير كاتبين وإهدار دم "من لا يُكفر غير المسلمين"

مرة أخرى، وربما لن تكون الأخيرة، يحتدم الجدل بين تيار الإصلاحيين المتنامي في المملكة العربية السعودية، من جهة، والمحافظين الذي ظل لفترة طويلة السمة الغالبة في المجتمع السعودي، من جهة أخرى، والذي شهد العديد من جولات الجدال بين التيارين، كانت في معظمها تنتهي لصالح أصحاب التيار الأخير.

الجدل هذه المرة لا يتعلق بالنظام القضائي في المملكة أو بانتهاكات لحقوق الإنسان، كما درجت العادة في السابق، وإنما بسبب فتوى أصدرها أحد كبار رجال الدين الإسلامي، حكم فيها بتكفير اثنين من الكتاب، يُعدان ضمن الإصلاحيين، بل وإهدار دمهما إذا لم يعلنا توبتهما، بعد ما اعتبرت الفتوى أنهما "خرجا على الإسلام."

الفتوى أصدرها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، الأستاذ السابق بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي بحق كل من الكاتبين السعوديين يوسف أبا الخيل، وعبد الله بن بجاد العتيبي، ولديهما العديد من المقالات التي تنشر في صحيفة "الرياض" وصحف خليجية أخرى.

وفيما يلي مقتطفات مما جاء في مقالي هذين الكاتبين السعوديين، كما تعرض لبعض ما ورد في الفتوى بإهدار دمهما، ليتنسى للقارئ الاطلاع على القضية من الجانبين.

ففي 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كتب أبا الخيل مقالاً بصحيفة "الرياض" السعودية، تحت عنوان "الآخر في ميزان الإسلام"، ذكر فيه أن "الإسلام لا يكفِّر من لم يحاربه من الكتابيين (اليهود والمسيحيين) أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من ضمن الفرق الناجية."

وبالنسبة للمشركين، فقد تحدد موقف الإسلام منهم، بحسب كاتب المقال، الذي استدل على قوله بآيات من القرآن، منها: "قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون"، وقوله تعالى:"إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها."

أما بالنسبة لعقيدة "التثليث الشركية"، حسب وصف كاتب المقال، فقد حدد موقفه منها كما في الآية: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة"، و"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة."

ولكن أبا الخيل أشار في المقالة إلى أن "كفرهم هنا (أصحاب عقيدة التثليث) يعني إخفاءهم حقيقة بشرية المسيح، مما يجعل التكفير منصباً أساساً على القسس والرهبان الذين يعرفون حقيقة المسيح، ولا يتعداهم إلى العامة المُلبَس عليهم،" على حد قوله.

أما اليهود، فمن المعلوم - بحسب الكاتب - أن "النبي عندما انتقل إلى المدينة، اعتبرهم من ضمن رعايا دولته، وذلك بأن آخى بينهم وبين المسلمين، من خلال عقد (صحيفة المدينة)، التي ضمنت لهم حقوقهم بالمساواة مع المسلمين."

وأضاف المقال: "وفوق ذلك أشارت إليهم الصحيفة، بلقب ديني محبب إليهم (يهود) ولم تعتبرهم كفاراً رغم بقائهم على دينهم، إلا أن الأمر اختلف عندما انبرت طوائف منهم لحرب الإسلام، ومظاهرة مشركي قريش عليه، وإخفائهم حقيقة الإسلام ونبيه، اللذين يجدونهما مكتوبين عندهم في التوراة، حيث نزل قرآن المدينة بتكفير المعتدين منهم فقط."

أما من لم يحارب الإسلام، سواءً من الكتابيين الموحدين أو من أتباع العقائد الأخرى، فقد أكد الكاتب أن "الإسلام لم يرمهم بالكفر على الرغم من بقائهم على دينهم، بل اعتبرهم من ضمن الفرق الناجية."

وأضاف الكاتب أن "الإسلام مضمون ديني يتسع في القرآن ليشمل الديانات السماوية التي تنتمي إلى دين إبراهيم، كما في قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)، وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، فالمقصود بالإسلام هنا هو دين التوحيد، في مقابل الشرك."

واستطرد قائلاً: "وهذا الإسلام - على خلاف ما يريده المتشددون والمتنطعون - لا يكفر مخالفيه لمجرد عدم إتباعهم رسالته، بل يكفَّر منهم فقط من يحول بين الناس وبين ممارستهم لحرية العقيدة التي كفلها لهم."

وتابع: "ولم يلتبس الأمر إلا عندما اخترع الفقهاء مصطلح (دار الحرب) في مقابل مصطلح (دار الإسلام)، زمن الفتوحات، فأصبحت دار الحرب تعني حينها كافة المجتمعات والدول التي لا تنضوي تحت لواء الدولة الإسلامية التي تمثل بدورها دار الإسلام، مما سمح بتعدية مصطلح (الكفر) لاحقاً ليكون وصفاً لكل من لا يدين بالإسلام."

- أما الكاتب الآخر، عبد الله العتيبي، فقد كتب مقالاً بنفس الصحيفة في السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، بعنوان "إسلام النص وإسلام الصراع"، اعتبر فيه أن بعض المتصارعين، الذين استخدموا الدين كأداة لصراعاتهم، أدخلوا عليه تأويلات وتفسيرات تخدم أهدافهم، "وباختلاف الأهداف والغايات اختلفت التأويلات والتفسيرات."

وأضاف في مقاله: "وبما أن هذا الإسلام المباشر البسيط، لا ينفع في الصراعات، من حيث أنه دين متسامح جاء (رحمة للعالمين)، فقد اضطر المتصارعون إلى تجزئته وتقطيعه، ومن ثم إعادة بنائه وتركيبه ضمن منظومة تضمن خدمة أهدافهم الصراعية، وتشكلت على هذا الأساس (إسلامات) تعبر عن رؤية كل فريق وتثبت نظرية كل طائفة."

ومن الأمثلة على الزيادات التي أدخلها المتصارعون على النص، بحسب العتيبي، ليبرّروا بها رغباتهم وأهدافهم، أن المتصارعين لم يجدوا عبارة "أن تشهد أن لا إله إلا الله" كافية بالنسبة لهم للحكم بالإيمان والإسلام، "بل رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزأين كحدٍ أدنى، الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)."

وبحسب الكاتب، ثم تأتي "مرحلة الشحن التأويلي، ومرحلة التعبئة التفسيرية، فيكون الجزء الأول (لا إله) المقصود به هو (الكفر بالطاغوت)، ونفي جميع الأديان والتأويلات الأخرى، ويضاف لذلك تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم."

ثم يأتي دور الجزء الثاني (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي، وفقاً للعتيبي: "أي لا معبود بحق إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة، التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب والطوائف."

ويتساءل الكاتب في مقاله: "وإذا كان هذا جزءاً من التشويه الأيديولوجي لأهم مبدأ في الإسلام (الشهادتين)، فما بالك بما دون ذلك من عقائد وشعائر، من روحانيات وسلوكيات، من عبادات ومعاملات؟"

ويبدو أن العتيبي كان يتوقع أن يثير مقاله الكثير من الجدل، حيث ضمنه جملة قال فيها: "من الطبيعي أنّ يثير مثل هذا الطرح سدنة القديم، وحرّاس السائد، وجنود المألوف، وأن يجلبوا بخيلهم ورجلهم عليه وعلى طارحيه، لأنه يزعزع المكتسبات الكثيرة التي يتمتعون بها، وينزع مخالب السلطة التي يدلون بها على الناس، ويكسر سيوفهم المسلطة على رقاب العباد."

وفي رده على سؤال عن حكمه بشأن كاتبي هذين المقالين، فقد قال الشيخ البراك بالفتوى التي أصدرها في 14 مارس/ آذار الجاري: "من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، أن رسالة محمد عامة للبشرية كلها، بل للثقلين الجنّ والإنس، فمن لم يقر بعموم رسالته، فما شهد أن محمداً رسول الله."

وأضاف قوله: "ومقتضى عموم رسالته (محمد) أنه يجب على جميعِ البشر الإيمان به واتباعه، سواء في ذلك الكتابيون، اليهود والنصارى، أو الأميون وهم سائر الأمم."

واستدل البراك في فتواه بآيات من القرآن، منها: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد."

كما استدل بحديث للنبي محمد قال فيه: "والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار."

وانتهى بالقول: "من هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقاد أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد، فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفة منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمد، ولا يجب عليهم إتباعه، فهو كافر وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله."

وبهذا يتبين، بحسب الشيخ، أن "من زعم أنه لا يكفر من الخارجين عن الإسلام إلا من حاربه، أو زعم أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام، فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك، فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام."

واختتمت الفتوى بالقول: "إن من المؤسف المخزي نشر مقالات تتضمن هذا النوع من الكفر، في بعض صحف هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين، فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه الصحف على نشر مثل هذا الباطل، الذي يشوه سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية."

كما تطرقت الفتوى إلى رئيس تحرير صحيفة الرياض، بقولها: "ليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية، كل من له أثر في نشرها وترويجها من خلال الصحف وغيرها، كرؤساء التحرير فمن دونهم، كل بحسبه. فليتقوا الله وليقدروا مسؤوليتهم ومقامهم بين يدي الله."

وبعد يومين من صدور هذه الفتوى، نشرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية مقالاً للكاتب عبد الله العتيبي في عددها الاثنين (17 مارس/ آذار الجاري)، بعنوان "لا"، استهله بالقول: "لا للتطرف، ولا للإرهاب، ولا للخضوع للتخويف والتهديد والتحريض، لا لمن يسعون لنشر الظلام، ويهتفون باسم السواد القاتم والدم القاني، المرتلين ألحان الكراهية البغيضة على أسماعنا، الناثرين لصديد أفكارهم المتطرفة على مرأى من أعيننا."

وجاء في موضع آخر من المقال: "لم يكن في وضوح مبادئ الإسلام وسهولة ثوابته ما يمنعهم من إغراقها في مبادئهم هم وثوابتهم هم، وذلك إما عبر تضخيمها وتكبيرها وتوسيعها حتى تشمل كل ما هب في أذهانهم ودب في قلوبهم من قطعية وإقصائية وتضييق وتجبر وظلم، وإما بتفريغها من معناها الأصلي لتوافق ما له يسعون وينصبون."

وأضاف العتيبي قوله: "كم نحن اليوم بحاجة إلى أن ننتصر للإسلام ممن يزعمون أنهم حماته، وهم خاطفوه، وألقوا على أكتافه ما تنوء بحمله قداسته من تأويلاتهم المتطرفة."

واختتم المقال بقوله: "إن دعاة التنوير والتغيير والتطوير يجب ألا يستكينوا لمثل هذه الحملات المغرضة والتأليب المدروس والتحريض الدموي، ويجب أن تصل الرسالة واضحة للمتطرفين بأن التنوير قادم، والتغيير مقبل، والتطوير سيظل على الدوام هدفاً ورسالةً، وأن الإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين هو الذي سينتصر ويبقى، وسيكون لتشويهاتهم وتخريفاتهم مكان رحب في مزبلة التاريخ."

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...